بقلم : محمد علام
في عام 1919 كان المصريون جميعاً على قلب رجل واحد يهتفون للثورة ضد المحتل الانجليزي وكان شيوخ الأزهر مع رجال الكنيسة من أهم الدعاة للثورة والمحرضين عليها . بإستثناء رجل واحد لم يكن لحسن الحظ مشهوراً وقتها ولم يكن لحسن الحظ يملك من النفوذ والتأثير أثناء حياته بنفس التأثير بعد وفاته
هذا الرجل هو الشيخ " محمد حامد الفقي " كان عالماً شاباً من الأزهر خالف زملاءه في ميولهم الوسطية والوطنية واعتنق المذهب السلفي واسس مع اثنين من زملاءه هما " عبد الرازق عفيفي " و " محمد علي عبد الرحيم " وآخرون جماعة السنة المحمدية والتي كانت أول كيان تنظيمي للسلفيين في مصر وقد أصدرت مجلة " الهدى النبوي " وكانت الأفكار التي اعتنقها الشيخ هي دافعه لأن يواجه الثورة بالعداء واطلاقه على النساء المصريات لمشاركتهن لأول مرة عبر التاريخ في ثورة جماعية جنب إلى جنب الرجال بعد ما خلعت البرقع التركي واكتفت بالحجاب فقال الرجل : " إن خروج الإحتلال لا يكون بالمظاهرات التي تخرج فيها النساء متبرجات
وهكذا كان سيادة الشيخ العبقري تاركاً لكل أسباب الثورة وأهدافها وهذا الحدث العظيم الذي بهر العالم ضارباً به عرض الحائط اعتراضاً فقط على مشاركة النساء وليس ذلك فقط بل اعتراضه أيضاً على مشاركة المسلمين إلى جوار المسيحين مستنكراً على الثورة أن يكون شعارها الرئيسي " الدين لله والوطن للجميع!
وهكذا منذ بداية تاريخ الأحزاب الدينية في مصر والتي تسعى دائما لتوجيه نظرة المجتمع للأحداث بنظرة عنصرية تستمدها من شرعية القرآن والسنة ، ومثلما حدث في ثورة 19 حدث في ثورة يناير حينما رفض السلفيون الخروج على الحاكم ثم اتجاههم لتشكيل حزب سياسي بعد الثورة " حزب النور " والتطلع للمشاركة في الحياة البرلمانية والسياسية كان بالكافي أن يفسر ذلك حقيقة نظرتهم للثورة وقيمتها بالنسبة لهم
وكعادة الشعب المصري قليل من الوعي كثير من التعاطف خاصة مع رجال يستمدون أوامرهم من القرآن والسنة ويعملون تحت لواء الإسلام أكمل الديانات وأطهرها وكذلك الإخوان المسلمون منذ بدايتهم على يد حسن البنا والجدل الذي ساد فترة بأنها جماعة دعوية دينية أم حزبية سياسية ؟ وأعتقد أن التاريخ قد حسم هذه المسألة على مر السنين ويمكننا أن ندراكه بوضوح اليوم
وبالتأكيد إن الأحزاب الدينية ( إخوان وسلفيون ) يدركون تماماً أهمية بقائهم تحت لواء الدين الذي يعطيهم الشرعية لدى الناس . فهم يدركون تماماً طبيعة العقول المصرية وعجزها عن المعارضة المنطقية السليمة لنقع فخاً للفزاعة ( أنا أعترض أنا كافر إذاً أنا في النار ) . ولعل هذه القوة هي علاقة ارتباط للداخل بالخارج ، الباطن بالظاهر داخل وعي المتلقي أو المواطن ، في برهة هي العناصر المكونة للموضوع فكل من هذه العناصر لها وجودها المستقل في وعي المواطن ولكن القوة هي التي تتخذ من تلاشي العناصر المكونة للموضوع من أجل اندثارها أو بالأصح [ نفيها ] ، وحين نبقي الوحدة المباشرة على هاتين البرهتين في داخلهما لايمكن التمييز بينهما إلا في التفكير ، ولنأتي لهذه القوة ذاتها التي تنجح في أن تكون هي الوسط الكلي لبقاء عناصر الموضوع غير متمايزة للحفاظ على وحدة الموضوع وهنا تفقد العناصر استقلاليتها فتنتفي أو تلتغي . وبالتالي فإن هذه الغيرية الأخروية هي مايلغي التعبير الخارجي للقوة أي أنها قوة ارتدت إلى نفسها فالنفي فقط من أجل التمظهر
فالدين بأركانه من قرآن وسنة وصحابة هي البرهات الكلية التي لايجوز الإقتراب منها في عقل المواطن لأنه تلقاها وحدة كاملة وهذا ما تفعله الاحزاب الدينية لاتسمح لأحد بأن يفند عناصر هذه الوحدة حتى لا يمكن استيعابها أونقدها أو توسيع مفهومها وحتى تظل بشرعيتها الدينية
لأن كسر وحدة البرهات الكلية هذه تكسر الوحدة الدينية التي تلقاها العقل وتبدأ في تجاوبه مع مؤثرات فكرية وتطلعات تسمح له بالفصل بين الدين والسياسة والفن والأخلاق ومعيار الصلاح والحرية المكفولة للجميع . وهذا ماتدركه الأحزاب الدينية جيداً ، وتعلم أنه لن يحدث ذلك إلا بثقافة موسعة تشمل كتب الفلسفة والمنطق وعلم النفس والإبداعات العربية والغربية والانفتاح على الثقافات السياسية والاجتماعية والانخراط فيها ومنها بالمثيلوجيا الإغريقية الرومانية والهندية والخ .. ولذلك فطبقا لدستور هذه الأحزاب : كله حرام لأنها كتب للكفر والزندقة
ربما أنني لست من متابعي السيد/ حازم صلاح جيداً ولكن من الواضح من حواراته وكل ممثلي التيار الإسلامي أن النظرة الشاملة للمجتمع في نظرهم هي أن الإنسان ليس سوى مسلم أو مسيحي فقط ؟ .. وتقسيم كل الحقوق والواجبات على هذا النحو [ الهوية دينية فقط ] ، دون نفي شرعية الدين الممولة لذلك ، ولعل هذه النظرة الدونية للقائمين على الدين هي الممهد الحقيقي لفتنة بين الطوائف الدينية في مصر وتأكيد نزعة عنصرية تشكل وعي الأجيال القادمة
السيد/ حازم صلاح قال بأننا نحترم الإخوة الأقباط . أو نسي سيادة المتطلع لرئاسة الجمهورية أن القبطي تعني مصري وتشمل مسيحي مع مسلم ؟ .. وإن كان يقصد سيادته الإخوة المسيحين .. فهل نسي بأن في مصر يهود ؟ ونسي أنه في مصر هندوس وبوذيين وبهائيين وملحدين ؟ هل احترام الانسان الذي بثه الرسول منذ فجر الدعوة الإسلامية وفكرة الحرية التي دعمها القرآن ووسعها على أعلى مستوى كانت تحاكم الفرد بناءاً على اتجاهاته العقائدية
إحترام الإنسانية هي السمة الأسمى والتي تميز بها الغرب عنا منذ مئات السنين ونحن لانزال نعاني من العنصرية والقبلية والفاشيستية الدينية ، ونزن معيار فساد الشخص بشربه للخمر أو كونه شاذا جنسياً ؟ أو نسوا أن عباقرة العالم وعلمائه كانوا شاربي للخمر ؟ أو نسوا أن دافنشي الذي ابهر العالم وتربع على عرش الفن التشكيلي كان شاذا جنسيا ؟ والأمثلة تتعدد ولانحصيها
المشروعات الإصلاحية في نظر السيد/ حازم صلاح لم تتعدى فكرة النظرة الدونية لعمل المرأة وفرض الحجاب والنقاب وإغلاق شواطئ العراة بإعتبار المرأة هي الأم والقدوة ؟ أيظن أن معيار صلاح الأبناء في رداء المرأة أو مايسميه حشمتها ؟ وله من الأمثلة كثيرة ما تتنافى مع هذه النظرية عن أمهات غير محبات وخرجوا أجيالاً لمصر والعالم!
وربما هذا ما يفسر إكتساح الإخوان لبرلمان الثورة تأكيداً على وعي الشعب الذي لم ينزل لينتخب حزباً سياسياً لأنهم بطبيعة الحال لا يملكون ( الحرية والعدالة وحزب النور ) حتى الآن خططا سياسية واقتصادية وثقافية ، الشعب الذي لم يهتم بقراءة إسم المرشح ومعرفة تاريخه بقدر ما آمن أنه في معركة لإنتخاب الدين ذاته وليس انتخاب رمز سياسي!
الدين الذي بيده صلاح الفساد في البلاد ، ذلك الإصلاح العبقري الذي يتمثل في إغلاق الكباريهات والخمارات وشواطئ العراة وفرض الحجاب بالقوة ومنع كتابات محفوظ والسباعي وعبد القدوس وسيد القمني لأنها كفر وجنس وإلحاد.
عاشت مصر متقدمة .. عاشت مصر متدينة!
محمد علام
Allam_92@yahoo.com