حوار: سردار زنكنه
يتميز الروائي السوداني د. أمير تاج السر الذي ولد عام 1960 بشمال السودان بلغة شعرية سلسة وسرد يغوص في أعماق الذات الانسانية ويمتلك تجربة متميزة في السرد، بدأ ممارسة الكتابة في مراحل مبكرة من حياته، كتب الشعر وهو في مرحلة المتوسطة ثم اتجه الى كتابة الرواية وصدرت له أعمال روائية عدة منها، كرمكول وزحف النمل و توترات القطبي ومهر الصياح والعطر الفرنسي وونار الزغاريد و مرايا ساحلية وغيرها من الروايات، وفي لقاء حصري معه لمجلة الصوت الآخر دار الحديث الآتي:
* كيف تعللون توقف الرواية السودانية الى خارج اسوار السودان بعد ظهور رواية (موسم الهجرة الى الشمال) للراحل الطيب صالح الا ماندر منها؟
- قبل الطيب صالح وروايته موسم الهجرة إلى الشمال، لم يكن الأدب السوداني معروفا خارج السودان، بالرغم من وجود تجارب كثيرة سبقت الطيب، خاصة تجربة أبوبكر خالد. كان شعراؤنا معروفين أكثر، ولعلك تسمع عن التجاني يوسف بشير وإدريس جماع، ومحمد محمد علي وغيرهم. كان موسم الهجرة فتحا كبيرا نسبة لموضوعها الحساس آنذاك، ولما وجدته من أصداء كبيرة ليس في الوطن العربي فقط ولكن في العالم أجمع بعد ترجمتها إلى مختلف اللغات. لكن تلك التجربة لم تستثمر للأسف، من قبل الكتاب السودانيين، ولم يحدث ترويج لأعمال أخرى، حتى الطيب نفسه لم يستثمر مسألة رواجه ككاتب كبير وتوقف باكرا عن الكتابة بعد أعمال قليلة جدا مقارنة بكتاب آخرين من جيله وفي شهرته مثل ماركيز، ويوسا. هذا الكلام كان في الماضي، لأن الأدب السوداني تطور بشكل كبير فيما بعد، وتخطى كل الحدود وأصبح لنا قراء في كل البلاد العربية، وأعتبر تجربتي مثالا لذلك. الذين يودون التعرف على الأدب السوداني يجدونه الآن بسهولة، وهناك دور نشر عربية كبرى تهتم وتنشر لروائيين سودانيين، وهناك مستشرقون غربيون، يترجمون أعمالنا الادبية إلى لغات أخرى، وهكذا. من المفيد أن أذكر إن وسائل التقنية والاتصال الحديثة اسهمت في هذه النقلة، وأصبح الكاتب المجتهد في أي مكان، يمكنه أن يرتبط بالعالم بسهولة.
* ليتنا نسمع منكم جوانب مختصرة من تاريخ تحولاتكم من فن الى آخر طوال عمركم المديد؟
- أنا كما هو معروف بدأت بكتابة الشعر منذ مرحلة الطفولة، وكنت أكتب أغنيات عاطفية وأقرأها في المدرسة وبعض تلك الأغنيات وجد طريقه إلى مطربين محليين، رددوها في الحفلات العامة والإذاعة. كان أقصى طموحي أن أصبح شاعرا غنائيا معروفا، ولم يتحقق ذلك كثيرا بسبب صعوبة قصائدي العاطفية، وتعقيدها بعض الشيء، وفي عام ١٩٨٥ وكنت أدرس الطب في مصر، حدثت انتفاضة أبريل التي أطاحت بحكم جعفر النميري، وبدأ يتشكل في داخلي حس وطني كبير، كتبت لأول مرة قصائد وطنية باللغة العربية الفصحى وقرأتها في التلفزيون وفي الاحتفالات العامة،وأصبح لي عشاق كثر، يساندون تجربتي الشعرية. وبدأت أتردد على المقاهي الثقافية في القاهرة بصحبة كاتب قصة مصري اسمه فوزي شلبي، هناك تعرفت على شعراء وكتاب ومثقفين مصريين من مختلف الأعمار والتوجهات، وتطورت تجربتي الشعرية حتى وصلت إلى مستوى أن تنشر لي مجلات كبيرة مثل إبداع والشرق والقاهرة ومجلة الشعر، وغيرها، واستمر الحال حتى عام ١٩٨٧ وكنت على وشك التخرج، حين جلست في ليالي أحد شهور رمضان، وكتبت روايتي الأولى كرمكول، ودرت بها على الناشرين، حتى نشرها لي الشاعر الراحل كمال عبد الحليم في دار الغد التي كان يملكها، ودائما ما أذكر هنا ساعتي الرولكس الغالية التي رهنتها لأدفع كلفة النشر. نجحت كرمكول كما أعتقد، وقدمتني للقراء بشكل جيد، بعد ذلك سافرت إلى السودان وانهمكت في ممارسة الطب سنوات طويلة، حتى رحلت إلى قطر، وهناك كتبت رواية اسمها (سماء بلون الياقوت)، كان ذلك عام ١٩٩٦ وبعدها استمرت الكتابة معي حتى الآن. وتعتبر إقامتي في قطر واستقراري الوظيفي من أكثر المحفزات التي أعانتني على الاستمرار، ولم أصبح كالسودانيين الذين يوصفون بأنهم يكتبون رواية أو روايتين ويتوقفون تماما بعد ذلك. كتبت كل أعمالي اللاحقة تقريبا، كتبت الرواية والشعر والسيرة، وما زلت أكتب بعشق حقيقي، وبمتعة كبيرة.
*حبذا لو تلقي لنا بأضواء على روايتكم ( كرمكول ) وكذلك توضح لنا الأسباب الكامنة وراء ذلك الأهتمام من القراء بها؟
- كرمكول هي الرواية الأولى وقد نسيتها الآن، أعتقد أنك تقصد صائد اليرقات التي رشحت لجائزة البوكر العربية في العام الماضي، نعم صائد اليرقات كانت بالنسبة لي نقلة كبيرة، ليس على مستوى الكتابة، فقد كتبت ما هو أهم منها، ولكن تلك الأبواب العالمية التي فتحتها لي بالرغم من أن روايتي (العطر الفرنسي)، منشورة بالفرنسية في دار لارماتان، وقد ترجمت صائد اليرقات حتى الآن لثلاث لغات وتنتظر الترجمة لأكثر. إنها قصة رجل أمن متقاعد بعد إصابته في حادث، يريد أن يكتب رواية بعد أن قرأ عن أشخاص لا علاقة لهم بالكتابة، أصبحوا كتابا. يتقرب من كاتب مشهور ويحاول أن يتعلم منه. إنها رواية ساخرة بشكل كبير، تسخر من أدعياء الكتابة بشدة، وأعتقد أن اهتمام القراء بها جاء من كونها كتبت بلا تعقيد، وبلغة سلسة للغاية، وقد كنت مستمتعا بكتابتها شخصيا، وأنجزتها في أقل من شهر. الآن معظم الذين قرؤوني، انحصرت قراءتهم في هذه الرواية، وبعضهم بحث عن الأعمال الأخرى مثل مهر الصياح وتوترات القبطي والعطر الفرنسي والأعمال الزخري التي أنجزتها قبل صائد اليرقات، ولو بحثت في المنتديات العربية ستجد تعليقات طيبة عن هذه الأعمال.
* المتواتر عند المثقفين انكم ولجتم تجارب جديدة لاسيما بعد روايتكم الأولى والثانية، مامدى دقة هذا الموقف وآلام تقيد أسباب ذلك ولو تقوم بالدافع الذي جعلكم ترتبطون عن سيرة منطقة بورسودان و ( سيرة الوجع ) ومدى افادتكم عن تلك التجربة؟
- في كل عمل أنجزه، لا بد من تجربة جديدة وفكرة جديدة، لكن أسلوبي لا يتغير كثيرا منذ أن ابتكرته. هناك أعمال سهلة وتصل لكل الناس وأعمال معقدة في البنية واللغة إلى حد ما، أكتب روايات تاريخية متخيلة وروايات معاصرة. أما في مجال السيرة، فقد كتبت سيرة الوجع عن منطقة طوكر المتاخمة للحدود السودانية الإريترية، وقد عملت هناك مفتشا طبيا واستوحيت الكثير من الطقوس والأساطير، كتبت مرايا ساحلية عن مدينة بورتسودان التي عشت فيها طفولتي وشبابي وعملت فيها طبيبا بعد تخرجي من مصر، لعدة سنوات قبل سفري إلى دولة قطر، وفي العام الماضي، كتبت سيرة اسمها قلم زينب، نشرتها وزارة الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر، وهي عن أيام عملي في قسم أمراض النساء والتوليد بمستشفى بورتسودان، وكتبت عن شخصية إدريس، أحد المحتالين الذي تعرف علي وأزعجني لفترة طويلة، ربطتها بكثير من الأحداث التي صادفتها أثناء العمل.
* روايتكم الضخمة ( مهر الصياح ) لو وضعت في الميزان لفاقت أهميتها على نتاجاتكم الأخرى فياترى الى ماذا تعود الأسباب الكامنة وراء هذا الحكم ؟
- مهر الصياح رواية ملحمية، كتبت عن سيرة القهر والإذلال في كل زمان ومكان، هي رواية تاريخية متخيلة عن سلطنة اسمها ( أنسابة٩ وتجري أحداثها في القرن الثامن عشر الميلادي، سيرة ابن صانع الطبول الفقير آدم نظر، حين حلم بالسلطة ونادى بها، وخاض في الوحل بعد ذلك. هذه الرواية أعتبرها الأهم نسبة للمجهود البحثي والبناء المركب والزمن الذي استغرقته حتى انتهت. وهناك رواية توترات القبطي المستوحاة من التاريخ أيضا، والتي تتحدث عن التطرف الديني وتبعاته إلى يومنا هذا. الآن مهر الصياح ترجمت للإنكليزية وتصدر قريبا باسم( مجلس الكوراك)، والكوراك هو الصياح أو المناداة بالصوت العالي، وهو المفصل الأهم داحل الرواية.
* عند المثقفين الكورد طروحات لنقل بعض أعمالكم الى الى اللغة الكوردية، هل نسمع منكم صدى تلك الطروحات ومدى تقبلكم لها لاسيما من قبل المترجم ( صباح اسماعيل ) الذي نقل سابقا رواية ( موسم الهجرة الى الشمال ) الى الكوردية قبل أعوام؟
حقيقة يسعدني ويشرفني أن تترجم إحدى رواياتي للغة الكوردية، حتى أتعرف على آخرين، ويتعرف علي قارئ آخر، لقد أرسل لي الأستاذ صباح اسماعيل، نسخة موقعة من ترجمته لموسم الهجرة للشمال، وفرحت بها جدا، لكنه لم يفاتحني بأي نية في ترجمة عمل لي، عموما كما قلت، هذا يشرف أي كاتب، وقد قرأت أعمالا لكتاب كورد يكتبون بالعربية وأعجبتني كثيرا.
* موضوع انفصال الجنوب وتكوين دولة أخرى، هل قلت شيئا عن ذلك؟
أنا كتبت رعشات الجنوب، قبل الانفصال مباشرة، تحدثت عن أصل المشكلة العرقية وجذورها التي أدت في النهاية لهذا الانفصال، قصة التاجر العربي رابح مديني، الذي يعيش في الجنوب ويحتكر مع غيره من العرب أنشطة التجارة. قصة النحات الجنوبي تايلور تيلا، الذي يحب فتاة عربية ولا يستطيع الارتباط بها، وحكايات أخرى عديدة داخل نص مركب، أعتقد أن من أهم أهداف المثقف أو الكاتب، أن يتفاعل مع قضايا وطنه ومجتمعه، من هذا المنطلق كتبت أيضا رواية اسمها تعاطف صدرت منذ فترة وجيزة، فيها تحدثت عن الثورات العربية التي تجري الآن في الوطن العربي.
* هل لديك جديد تعمل عليه؟
انتهيت مؤخرا من رواية أعتبرها هامة، اسمها أرض السودان- الحلو والمر، وربما تكون قد صدرت عند نشر هذا الحوار، إنها تقدم العلاقة بين الشرق والغرب معكوسة، تحكي عن رحلة شاب انكليزي إلى أرض السودان في القرن التاسع عشر، وفيها أيضا الكثير من الطقوس والميثولوجيا، والأساطير.